فصل: ذِكْرُ الْحَبْوَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ نُزُولِ الْإِمَامِ عَنِ الْمِنْبَرِ إِذَا قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نُزُولِ الْإِمَامِ عَنِ الْمِنْبَرِ لِلسَّجْدَةِ يَقْرَؤُهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَنْزِلُ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَوْضِعِهِ. فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ نَزَلَ فَسَجَدَ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَوْضِعِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
1815- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهُدَيْرِ: أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ إِلَى السَّجْدَةِ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ.
1816- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: بَيْنَمَا الْأَشْعَرِيُّ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَرَأَ السَّجْدَةَ الْآخِرَةَ مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ. قَالَ: فَنَزَلَ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ.
1817- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَسَجَدَ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ.
1818- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَرَأَ عَمَّارٌ عَلَى الْمِنْبَرِ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، ثُمَّ نَزَلَ الْقَرَارَ فَسَجَدَ بِهَا.
1819- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَاهِبٌ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أُوَيْسِ بْنِ بِشْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ السَّجْدَةَ، فَنَزَلَ فَسَجَدَ.
1820- وَحَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَقْرَأُ سُورَةَ دَاوُدَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَسْجُدُ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَيَسْجُدَ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَإِنْ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ سَجْدَةً لَمْ يَنْزِلْ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَإِنْ فَعَلَ وَسَجَدَ رَجَوْتُ أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ أَحْبَبْتُ أَنْ يَنْزِلَ فَيَسْجُدَ؛ لِمَا فِي ثَوَابِ مَنْ سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ {ص} وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَلِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَقَدْ قَرَأَ عُمَرُ السَّجْدَةَ فِي جُمُعَةٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ الَّتِي نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ لِلسَّجْدَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ.

.ذِكْرُ الْكَلَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، فَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَيَعْقُوبَ، وَمُحَمَّدٍ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُكَبِّرَ.
1821- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُكَبِّرَ. وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ رِوَايَةٌ تُوَافِقُ قَوْلَ الْحَكَمِ خِلَافُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا قَبْلَ خُطْبَةِ الْإِمَامِ، وَقَدْ أُمِرَ النَّاسُ بِالْإِنْصَاتِ لِإِمَامِهِمْ إِذَا خَطَبَ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْخُطْبَةُ رَجَعَتِ الْإِبَاحَةُ، وَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ وَقَدْ رُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
1822- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الْمِنْبَرِ، فَيَقُومُ مَعَهُ الرَّجُلُ فَيُكَلِّمُهُ فِي الْحَاجَةِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الْكَلَامَ بَيْنَهُمَا، وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَإِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ.
وَكَانَ حَسَنٌ يَكْرَهُهُ.

.مَسْأَلَةٌ:

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُسْتَمِعُ لِلْخُطْبَةِ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيُسَلِّمُونَ تَسْلِيمًا، وَلَا يَرْفَعُونَ بِذَلِكَ أَصْوَاتَهُمْ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: مَا بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَرَوْنَ السُّكُوتَ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: أَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ يَسْتَمِعُوا وَيُنْصِتُوا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُنْصِتُ لِلْإِمَامِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ.

.ذِكْرُ الْحَبْوَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الِاحْتِبَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَرَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَشُرَيْحٌ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَنَافِعٌ.
1823- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَثِيرًا مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَكْحُولٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا، قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَلَا أَرَاهُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْإِسْنَادِ.
1824- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا الْمُقْرِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ، فَالْقَوْلُ بِهِ يَجِبُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، فَلَا بَأْسَ بِالْحَبْوَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.

.ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَإِبَاحَةِ نَهْيِ الْإِمَامِ عَنْ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ:

1825- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، بِمِصْرَ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: «اجْلِسْ، فَقَدْ آذيْتَ». وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَنَهَتْ طَائِفَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَكَرِهَتْهُ، وَمِمَّنْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ.
1826- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي تَرَكْتُ الْجُمُعَةَ، وَلِي حُمْرُ النَّعَمِ، وَلَأَنْ أُصَلِّيَ بِالْحَرَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُمْهِلَ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، وَجَلَسَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ، حَيْثُ أَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ.
1827- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَطِيَّةَ وَكَانَ يُسَمَّى الْمَسِيحَ قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ، يَقُولُ: إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَا تَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَا تَكَلَّمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَنِ التَّخَطِّي إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، قَالَ: لَا تُخَطَّى رِقَابُ النَّاسِ، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْمٍ جُلُوسٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَخَلْفَهُمْ مُتَّسَعٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَخَطَّاهُمْ إِلَى السَّعَةِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ التَّخَطِّيَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، وَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَمَنْ تَخَطَّى حِينَئِذٍ، فَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْحَدِيثُ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرَجٌ، وَلْيَرْفُقْ فِي ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ رَخَّصَ أَنْ يَتَخَطَّى إِلَى مَجْلِسِهِ، إِنْ كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَجْلِسْ فِي أَدْنَى مَجْلِسٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَكْرَهُ تَخَطِّيَ رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ وَبَعْدُ؛ لِمَا جَاءَ فِيهِ مِنَ الْأَذَى لَهُمْ، وَسُوءِ الْأَدَبِ، فَإِنْ كَانَتْ خَطْوُهُ إِلَى الْفُرْجَةِ بِوَاحِدٍ، أَوِ اثْنَيْنِ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ التَّخَطِّي، وَإِنْ كَثُرَ كَرِهْتُهُ لَهُ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ السَّبِيلَ إِلَى مُصَلًّى يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ، إِلَّا أَنْ يَتَخَطَّى فَيَسَعَهُ التَّخَطِّي، إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَخَطَّى بِإِذْنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَخَطَّاهُمْ، رُوِّينَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَجِيءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَيَقُولُ: أَتَأْذَنُونَ لِي أَنْ أَتَخَطَّاكُمْ؟ فَيَتَخَطَّا إِلَى مَجْلِسِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَذَى لَا يَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، وَإِذَا جَاءَ فَوَسَّعُوا لَهُ، فَتَخَلَّلَهُمْ، وَلَمْ يَتَخَطَّاهُمْ، فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

.ذِكْرُ تَحْوِيلِ النَّاعِسِ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ غَيْرُ النَّوْمِ:

1828- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى غَيْرِهِ».

.ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَخْلِفَهُ فِيهِ:

1829- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، يَقُولُ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقِمْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسْ فِيهِ»، قُلْتُ أَنَا لَهُ: أَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: «فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا». قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُومُ لَهُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَلَا يَجْلِسُ فِيهِ.

.ذِكْرُ الْأَمْرِ بِالتَّفَسُّحِ وَالتَّوَسُّعِ إِذَا ضَاقَ الْمَكَانُ:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمُ} [المجادلة: 11] الْآيَةَ. فَكَانَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ: كَانَ ذَلِكَ مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ، فَهُوَ عَامٌّ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
1830- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقِمِ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يُجْلِسُهُ فِيهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا، وَتَوَسَّعُوا».

.ذِكْرُ قِيَامِ الرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ وَقَدْ خَلَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَبَيَانِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ مِمَّنْ جَلَسَ مَكَانَهُ:

1831- حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يُرْسِلُ غُلَامَهُ إِلَى مَجْلِسِهِ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَجْلِسُ فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ مُحَمَّدً، قَامَ الْغُلَامُ، وَجَلَسَ مُحَمَّدٌ مَوْضِعَ الْغُلَامِ.